کد مطلب:370240 شنبه 19 خرداد 1397 آمار بازدید:720

تقدیم
 


تقدیم:


بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على صفوة الخلق أجمعین، محمد وآله الطیبین الطاهرین، واللعنة على أعدائهم أجمعین، إلى قیام یوم الدین.


وبعد..


فإن من الواضح: أنه قد كان لموقف «الخوارج» فی صفین تأثیر عمیق على مسار الأحداث، ومساس مباشر بالمصیر الذی انتهت إلیه الأمة ـ بل والبشریة بأسرها عبر التاریخ، حیث إن مواقفهم تلك قد حرمت الأمة من أطروحة أهل البیت (علیهم السلام)، ومكنت لمعاویة ولغیره من الطواغیت والمجرمین من الوصول إلى مآربهم، وتحقیق أهدافهم الشریرة.


ورغم أنهم قد حاربوا الأمویین بعد ذلك لكن حربهم لهم هی الأخرى قد زادت الطین بلة، والخرق اتساعا،ً حیث إن هذه الحروب قد منحت الفرصة لفریق آخر، أكثر عنفاً فی مواجهة أطروحة علی علیه












الصفحة 6


السلام وأهل بیته (علیهم السلام)، وهم البیت العباسی، الذی بلغ عنف مواجهته لآل علی (علیه السلام) حداً جعل الشعراء یقولون:


 









تالله ما فعلت أمیة فیهم معشار ما فعلت بنو العباس



ویقولون:


 









ومتى تولى آل أحمد مسلم قتلوه أو وصموه بالإلحاد



ویقولون:


 









یا لیت جور بنی مروان دام لنا ولی عدل بنی العباس فی النار



أما ما ظهر من «الخوارج» من مواقف وأقاویل، فقد كان ولا یزال غیر ظاهر الانسجام مع المعاییر والضوابط المألوفة والسلیمة، بعیداً عن مقتضیات الفطرة الإنسانیة السلیمة.


وهو أیضاً یصادم ضرورة العقل، وأحكام الدین، ولم یزل مثار بحث وجدل. فهذا یشرّق، وذاك یغرّب، وثالث یخبط خبط عشواء، لا یجد سبیلاً، ولا یهتدی إلى الطریق، كلما طرق باباً، اصطدم بالأسئلة الكثیرة التی تشیر إلى التناقضات الظاهرة فی أقوالهم، وأفعالهم.


فهل هم عبّاد وزهّاد عزفوا عن هذه الدنیا، وعن كل ما فیها، وأخلصوا لله وطلبوا الآخرة لا یریدون سواها؟!


أم أنهم قد أحبوا الدنیا بكل وجودهم وباعوها بالآخرة. وقد اتخذوا الدین طریقاً إلیها، ووسیلة لإیقاع الناس فی حبائلهم وخدعهم؟! حتى إنهم لیقاتلون على القدح أو على السوط یؤخذ منهم..


أم أنهم كانوا عبَّاداً، ولكنهم فی نفس الوقت یحبون الدنیا، ویعملون












الصفحة 7


من أجلها، فهم یریدون أن یحصلوا على الدنیا وعلى الآخرة معا حسب زعمهم؟!


وتستمر الأسئلة لدى هذا الفریق أو ذاك: هل كان «الخوارج» على قناعة تامة بمواقفهم، وممارساتهم؟ أم كانوا شكاكاً؟!


قد التبست علیهم الأمور، وقد مضوا على شكهم فعالجوا القضایا من منطلق الأهواء الشخصیة، ودوافع الحقد والكراهیة التی كانت تعتلج فی صدورهم؟!.


وهل كانوا علماء بكتاب الله، الذی مازالوا یقرؤونه ویرددونه ویتلونه آناء اللیل وأطراف النهار؟!


أم أنهم كانوا أعراباً جفاةً، لم یستضیئوا بنور العلم، ولم یلجأوا إلى ركن وثیق؟!


وهل كانوا من الشجعان الأوفیاء والأشداء؟!


أم كانوا من الغدرة الضعفاء والجبناء؟!


إلى غیر ذلك من الأسئلة الكثیرة التی یرید هذا الكتاب أن یقدم الإجابة علیها، ولو بصورة موجزة ومحدودة.


ولیس لدی ما یوجب أن أخفی على القارئ الكریم حقیقة أننی لم یكن یدور فی خلدی أن أتجه إلى البحث حول هذا الموضوع، أو أن تضطرنی بعض الاعتبارات إلى ذلك، حتى حدث ما لم یكن فی الحسبان، فاستجبت لتلك الحاجة الطارئة التی جعلت من اختیار هذا الموضوع أمراً یكاد یكون ضرورة لا محیص عنها، ولا خلاص منها.


فبادرت إلى ذلك فی شهر رجب الأصم سنة 1403هـ فكانت حصیلة المعاناة التی استمرت أسابیع قلیلة جداً هی هذا البحث المتواضع












الصفحة 8


الذی بین یدی القارئ الكریم.


ثم هیأته للطبع، وأعدت النظر فی بعض مطالبه فی صیف عام 1422هـ.ق، وذلك بمقدار ما سنحت لی الفرصة، وساعد الظرف.


وكلی أمل أن ینال هذا الجهد رضا القراء والباحثین، وأن ینیلنی الله علیه الأجر والثواب.


والله أسأل: أن لا یكلنی إلى نفسی، وأن یجعل عاقبة أمری إلى غفرانه إنه ولی قدیر..


وبالإجابة حری وجدیر..


والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذین اصطفى، محمد وآله الطاهرین.


ذو الحجة سنة 1422 هـ.ق  

جعفر مرتضى الحسینی العاملی












الصفحة 9


تمهید


الخبر المتواتر:


إن كل من له أدنى اطلاع على الحدیث النبوی الشریف، لا یخالجه أدنى شك فی تواتر الحدیث الذی یتحدث عن ثلاث فئات تحارب أمیر المؤمنین علیاً (علیه الصلاة والسلام). بل إنه سوف یجد أنه قد رواه جمیع المسلمین على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ونحلهم واتجاهاتهم.


وهذه الفئات الثلاث، هی:


1 ـ الناكثون، أی ناكثو البیعة.


وهم أصحاب الجمل، الذی حاربهم علی (علیه السلام).


2 ـ القاسطون، أی الجائرون، فإنه مأخوذ من «قسط» بمعنى جار، لا من «أقسط»، الذی هو بمعنى عدل.


والقاسطون هم الذین حاربوه (علیه السلام) فی صفین، وهم معاویة وأهل الشام.












الصفحة 10


3 ـ المارقون(1).


وهم «الخوارج»، الذین حاربوه (علیه السلام) فی النهروان(2).


وهناك الحدیث الذی زخرت به كتب الحدیث والتاریخ، والذی


____________



(1) راجع على سبیل المثال المصادر التالیة: مجمع الزوائد ج6 ص235 وج7 ص238 وج5 ص186 وج9 ص111 ومستدرك الحاكم ج3 ص139، وتلخیص الذهبی بهامشه وانساب الأشراف ج2 ص297، [بتحقیق المحمودی]، وترجمة الإمام علی (علیه السلام) من تاریخ دمشق [بتحقیق المحمودی] ج3 ص172 و170 و169 و165 و163 و162 و160 و161 و158 و159 واللآلی المصنوعة ج1 ص213 و214 وتاریخ بغداد ج13 ص186 وج8 ص 340/341 وكنز العمال ج11 ص278 وراجع ص287 و318 و343 و344 وج15 ص96 وشرح النهج للمعتزلی ج3 ص207 و345 وج4 ص221 و462 وج18 ص27 وج6 ص130 وج13 ص183 و185 وج1 ص201 والمناقب للخوارزمی ص125 و106 و282 والبدایة والنهایة ج7 ص206 و207 و305 و304 وج6 ص217 وفرائد السمطین ج1 ص332 و285 و283 و282 و281 و280 و279 و150 ومروج الذهب ج2 ص404 والمحاسن والمساوئ ج1 ص68 والغدیر وج3 ص192 و194 وج1 ص337 وذخائر العقبى ص110 عن الحاكمی والریاض النضرة ج3 ص226 وكفایة الطالب ص168 و169 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص451 و435 و437 وج4 ص244 ولسان المیزان ج2 ص446 وج6 ص206 ومیزان الاعتدال ج1 ص126 و174 وینابیع المودة ص104 و128 و81 والنهایة فی اللغة ج4 ص185 ولسان العرب ج2 ص196 وج7 ص378 وتاج العروس ج1 ص651 وج5 ص206 ونظم درر السمطین ص130 وأسد الغابة ج4 ص33 والجمل ص35 والافصاح فی إمامة علی بن أبی طالب ص82 وإحقاق الحق ج6 ص37 و59 و79 وج5 ص71 عن مصادر كثیرة تقدمت، وعن: تنزیه الشریعة المرفوعة ج1 ص387 ومفتاح النجا ص68 مخطوط وأرجح المطالب ص 602 و603 و624 وموضح أوهام الجمع والتفریق ج1 ص386 وشرح المقاصد للتفتازانی ج2 ص217 ومجمع بحار الأنوار ج3 ص143 و195 وشرح دیوان أمیر المؤمنین للمبیدی ص209 مخطوط والروض الأزهر ص389.


(2) كنز العمال ج11 ص287 عن ابن أبی عاصم وابن عساكر فی الأربعین وراجع البدایة والنهایة ج7 ص307.













الصفحة 11


یتحدث عن فئة یقرؤون القرآن لا یجاوز تراقیهم، یمرقون من الدین كما یمرق السهم من الرمیة سیماهم التحلیق، شر الخلق والخلیقة(1) وقد


____________



(1) راجع على سبیل المثال فی أمثال هذه العبارات فی ما یلی: مسند أحمد ج1 ص88 و92 و108 و113 و131 و147 و151 و156 و160 و256 و404 و411 و441 و435 و380 و395 وج2 ص209 و219 وج3 ص5 و15 و32 و33 و34 و38 و39 و52 و56 و60 و64 و65 و68 و73 و159 و183 و197 و224 و353 و486 وج4 ص422 و425 وج5 ص31 و42 و146 وراجع: ص253 ومجمع الزوائد ج6 ص228 و229 و231 و27 و230 و232 و235 و239 وج9 ص129 ومستدرك الحاكم ج2 ص154 و147 و148 و146 و145 وكشف الأستار عن مسند البزاز ج2 ص360 و361 و363 و364 والجوهرة فی نسب علی وآله ص109 والمعجم الصغیر ج2 ص100 والمصنف للصنعانی ج1 ص146 و148 و151 و154 و157 وكنز العمال ج11 ص126 و180 و127 و128 و129 و130 و131 و175 و182 و271 و312 عن مصادر كثیرة وكفایة الطالب ص175 و176 وتاریخ بغداد ج12 ص480 وج10 ص305 والعقود الفضیة ص66 و70 والمغازی للواقدی ج3 ص948 والإصابة ج2 ص302. والغدیر ج10 ص54 و55 عن الترمذی ج9 ص37 وسنن البیهقی ج8 ص170 و171 وتیسیر الوصول إلى علم الأصول ج4 ص31 و32 و33 عن الصحاح الستة كلها وعن أبی داود ج2 ص284 وفرائد السمطین ج1 ص276 ونظم درر السمطین ص116 والإلمام ج1 ص35 والخصائص للنسائی ص136 و137 حتى ص149 ومیزان الاعتدال ج2 ص263 ترجمة عمر بن أبی عائشة وأسد الغابة ج2 ص140 وتاریخ واسط ص199 والتنبیه والرد ص182 وصحیح البخاری ج2 ص173 وج4 ص48 و122 ومناقب علی بن أبی طالب لابن المغازلی ص53 و57 والجامع الصحیح للترمذی برقم 3896 وصحیح مسلم ج1 ص1063 و1064 وفی هامش مناقب المغازلی عن الإصابة ج2 ص534 وعن تاریخ الخلفاء ص172 وراجع إثبات الوصیة ص147 وراجع ذخائر العقبى ص110 والمناقب للخوارزمی ص182 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص400 ونور الأبصار ص102.


وراجع: نزل الأبرار ص57 ـ61 والریاض النضرة ج3 ص225 وراجع ص226 و224 والفصول المهمة لابن الصباغ ص94 والبدایة والنهایة ج7 ص379 حتى 350 عن مصادر كثیرة ومن طرق كثیرة جداً فلیراجعه من أراد وتذكرة الخواص ص104 وشرح النهج للمعتزلی ج13 ص183 وج1 ص201 وج2 ص261 و266 و268 و269 والكامل فی التاریخ ج3 ص347. وإن تتبع مصادر هذا الحدیث متعذر فنكتفی هنا بهذا القدر.













الصفحة 12


صرحت طائفة من الروایات بأن علیاً (علیه السلام) هو الذی یقتلهم فراجع المصادر.


وفی بعض الروایات: طوبى لمن قتلهم وقتلوه(1).


وفی بعض الروایات أیضاً: أنهم كلاب النار(2).


وهو حدیث لا شبهة فی صحته.


وقد ذكرت الروایات علامات لفئة المارقین هؤلاء، أبرزها ظهور المخدج، وهو ذو الثدیة(3) فیهم، وهو الرجل الذی لا یعرف أحد من أبوه.


____________



(1) راجع مسند أحمد ج4 ص357 و382..


(2) مسند أحمد ج4 ص382 و355 وسنن ابن ماجة ج4 ص74 وصححه السیوطی فی الجامع الصغیر، والمعجم الصغیر ج2 ص117..


(3) مصادر ذلك لا تكاد تحصر، فراجع على سبیل المثال: مسند أحمد ج1 ص95 و92 و88 و113 و108 و121 و140 و141 و147 و151 و155 و160 وج3 ص33 و56 و65 والمصنف للصنعانی ج10 ص147 و148 و149 و151 والخصائص للنسائی ص 138 و139 و141 و142 و143 و144 و145 و146 والسنن الكبرى ج6 ص170 والجوهرة فی نسب علی (علیه السلام) وآله ص109 و110 وكشف الأستار عن مسند البزار ج2 ص361 و362 وكنز العمال ج11 ص130 و178 و272 و277 و280 و281 و282 و285 و286 و278 و289 و296 و298 و301 و302 و307 و308 و310 و311 عن مصادر كثیرة جداً. ومجمع الزوائد ج6 ص227 و234 و235 و238 و239 والمحاسن والمساوئ ج2 ص98 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص434 والكامل فی التاریخ ج3 ص347 و348 ومناقب علی بن أبی طالب لابن المغازلی ص414 و416 والفتوح لابن أعثم ج4 ص130 ومستدرك الحاكم ج2 ص153 و154 وتلخیص الذهبی بهامشه وكفایة الطالب ص179 و177 وفرائد السمطین ج1 ص276 و277 ومروج الذهب ج2 ص406 ونظم درر السمطین ص116 وتاریخ بغداد ج12 ص480 وج1 ص160 و206 و199 و174 وج13 ص158 و222 وج11 ص118 وج11 ص305 وج14 ص365 وج7 ص237 وصحیح مسلم ج3 ص115 طبعة دار الفكر ـ بیروت ـ لبنان والعقود الفضیة ص66 و67 والمعجم الصغیر ج2 ص85 وراجع ص75 وعن المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص191 والثقات ج2 ص296 وشرح النهج للمعتزلی ج6


=>













الصفحة 13


قال أبو سعید الخدری: فحدثنی عشرون، أو بضع وعشرون من أصحاب النبی (صلى الله علیه وآله): أن علیاً (رض) ولی قتلهم(1).


وأضاف أبو سعید الخدری قوله: أشهد أنی سمعت هذا من رسول الله (صلى الله علیه وآله). وأشهد أن علیاً (علیه السلام) حین قتلهم ـ وأنا معه ـ جیء بالرجل على النعت الذی نعت رسول الله (صلى الله علیه وآله)(2).


وقد ذكرت بعض المصادر أن قتل ذی الثدیة كان على ید أمیر المؤمنین (علیه السلام) نفسه، حیث ضربه على بیضته، فهتكها، وحمل به فرسه، وهو لما به من أثر الضربة، حتى رمى به فی آخر المعركة، على شط النهروان، فی جوف دالیة خربة(3).


____________



<=


ص130 وج13 ص183 وج2 ص266 و268 و275 و276 وخصائص أمیر المؤمنین للرضی ص30 وذخائر العقبى ص110 ونزل الأبرار ص57 و61 والریاض النضرة ج3 ص224 و225 والبدایة والنهایة ج7 من ص280 حتى ص307 بطرق كثیرة جداً وتذكرة الخواص ص104 والمغازی للواقدی ج3 ص948 و949 والمناقب للخوارزمی ص182 و183 و185.


(1) راجع: مسند أحمد ج3 ص33 وكنز العمال ج11 ص302 عن ابن جریر والبدایة والنهایة ج7 ص299.


(2) المصنف للصنعانی ج10 ص147 و149 والجوهرة فی نسب علی بن أبی طالب وآله ص110 وكنز العمال ج11 ص296 و297 عن عبد الرزاق وابن أبی شیبة. والخصائص للنسائی ص138 و139 فی هامشه عن المصادر التالیة: أسد الغابة ج2 ص140 والبدایة والنهایة ج7 ص301 ومیزان الاعتدال ج2 ص263 ومسند أحمد ج3 ص56 وج1 ص91 والعقود الفضیة ص67 والمناقب للخوارزمی ص183 ونزل الأبرار ص58 وفی هامشه عن بعض من تقدم وعن حلیة الأولیاء ج4 ص186 وعن مجمع الزوائد ج6 ص239 وعن سنن البیهقی ج8 ص170 وعن صحیح مسلم ج2 ص748 وعن المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص91 وعن تاریخ بغداد ج13 ص186 وعن مستدرك الحاكم ج2 ص145 وعن سنن أبی داود ج2 ص282.


(3) الفتوح لابن أعثم ج4 ص130.













الصفحة 14


التشكیك اللئیم:


ولكن بعض من لا یؤمن بالإسلام ولا بالوحی على رسول الله (صلى الله علیه وآله)، بل هو یعمل على الكید له، وتزویر حقائقه ـ إن أمكنه ذلك: یعتبر حدیث التمیمی الذی اعترض على رسول الله (صلى الله علیه وآله) أسطورة ـ كما ذكره فلهوزن فی كتابه(1) ونحن لا نتعجب كثیراً من مثل هذه الأقاویل، فإنما هی شنشنة أعرفها من أخزم؛ ولیست هذه هی أولى طعنات هؤلاء المستشرقین فی هذا الدین الحنیف، ولا نعتقد أنها ستكون الأخیرة منهم.


ولكن أن نقرأ لبعض من ینسب إلى هذا الدین: أن حدیث ذی الثدیة منتحل وهو أسطورة لا حقیقة لها رغم اعترافه بتواتره(2).


فذلك ما یثیر عجبنا حقاً من إنسان یدعی أنه باحث موضوعی لا یمیل به الهوى، ولا یصده التعصب عن قول الحق!!


فإنه إذا لم یصح الحدیث المتواتر، فأی حدیث بعده یمكن أن یصح. لاسیما مع ملاحظة عنایة سائر الفرق الإسلامیة، وعلمائها بنقل هذا الحدیث. ومع كثرة طرقه!!.


صفات «الخوارج» فی الروایات:


ومن العلامات التی ذكرتها الروایات للخوارج: أنهم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام(3). وهذا هو نفس ما وصفهم


____________



(1) الخوارج والشیعة ص45.


(2) قضایا فی التاریخ الإسلامی للدكتور محمود إسماعیل هامش ص67 و68.


(3) راجع من المصادر المتقدمة: مسند أحمد، والمعجم الصغیر ج2 ص100 وكشف


=>













الصفحة 15


به علی(علیه السلام)، كما سیأتی حیث قال عنهم (علیه السلام): أخفاء الهام سفهاء الأحلام(1).


وحسب نص آخر: أحداث، أحدّاء، أشداء، ذلیقة ألسنتهم بالقرآن، یقرؤونه لا یجاوز تراقیهم(2).


وذكرت النصوص أیضاً: أن سیماهم التحلیق والتسبیت [وهو استئصال الشعر القصیر].


وذكرت النصوص المتقدمة: أنهم «یقرؤون القرآن، یحسبون أنه لهم، وهو علیهم»(3).


وأنهم: «قوم یحسنون القیل، ویسیئون الفعل.. إلى أن قال: یدعون إلى كتاب الله ولیسوا منه فی شیء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم.


____________



<=


الأستار ج2 364 وكنز العمال ج11 ص128 و129 و179 و181 و299 و204 و206 ورمز له بما یلی: (ق.خ.د.ن.ج.ت.ه.ط.م. أبو عوانة. حب.ع. الخطیب. ابن عساكر. الحكیم. ابن جریر، والتنبیه والرد ص182.


وراجع: وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص455 والسنن الكبرى ج8 ص170 وصحیح مسلم كتاب الزكاة باب 48 والخصائص للنسائی ص140 ومناقب علی بن أبی طالب لابن المغازلی ص57 والبدایة والنهایة ج7 ص291 و296 وتیسیر الوصول ج4 ص32 عن الخمسة ما عدا الترمذی.


(1) الموفقیات ص327.


(2) راجع مسند أحمد ج5 ص44 و36 والمعیار والموازنة ص170 وكنز العمال ج11 ص180 و294 ورمز له بـ [حم.ق.ط.وابن جریر] ومجمع الزوائد ج6 ص230 عن أحمد والطبرانی، والبزار وتاریخ بغداد ج1 ص160 وج3 ص305 وفرائد السمطین ج1 ص277 والبدایة والنهایة ج7 ـ ص291 والخصائص للنسائی ص139 ونظم درر السمطین ص116.


(3) مسند أحمد ج1 ص92 والغدیر ج10 ص54 وفی هامشه عن صحیح الترمذی ج9 ص37 وسنن البیهقی ج8 ص170 وأخرجه مسلم وأبو داود كما فی تیسیر الوصول ج4 ص31 ونزل الأبرار ص60 وفی هامشه عن مسلم ج2 ص748.













الصفحة 16


قالوا: یا رسول الله، ما سیماهم؟!


قال: التحلیق»(1).


وفی نص آخر: «یتلون كتاب الله وهم أعداؤه، یقرؤون كتاب الله محلقة رؤوسهم الخ»(2).


التزویر المفضوح:


وإن من یراجع كتب التاریخ یعرف كثرة «الخوارج» من بنی تمیم، وكما قد قرأنا آنفا: وصف أمیر المؤمنین (علیه السلام) للخوارج بأنهم معاشر أخفَّاء الهام سفهاء الأحلام. أن ما یقرب من هذه العبارات مروی عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) أیضاً.


غیر أن ثمة نصاً آخراً قد جاء بعكس هذا المعنى، فقد روى أبو هریرة: أنه سمع رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقول عن بنی تمیم: «ضخم الهام، رجح الأحلام، وأشد الناس على الرجال فی آخر الزمان»(3).


ومن الواضح: أن أبا هریرة كان عدواً لأمیر المؤمنیین (علیه السلام)، وقد اعتبره أنه قد أحدث فی المدینة، وأمره فی ذلك أشهر من أن یذكر. ولا نرید أن نقول أكثر من ذلك.. وأن مقام أمیر المؤمنین (علیه السلام) أعظم وأجل من أن ینال من هذا المظهر للنصب والعداء له صلوات الله وسلامه علیه..


____________



(1) سنن أبی داود ج2 ص284 ومستدرك الحاكم ج2 ص147 و148 وسنن البیهقی ج8 ص171.


(2) مستدرك الحاكم ج2 ص145.


(3) البرصان والعرجان ص309 وفی هامشه عن صحیح مسلم 1957.













الصفحة 17


سیماهم.. شعارهم:


وبعد..


فقد قال المعتزلی: «كان شعارهم أنهم یحلقون وسط رؤوسهم، ویبقى الشعر مستدیراً حوله كالإكلیل»(1).


وفی نص آخر: عن أبی سعید: «التسبید فیهم فاشٍ، قلت: وما التسبید؟ قال: لا أعلمه إلا نحواً فی رأسك فوق الجلد ودون الوفرة»(2).


ولكن روایة عن عبد الرزاق قالت: سیماهم الحلق والسمت.


قال: یعنی: یحلقون رؤوسهم، والسمت یعنی لهم سمت وخشوع(3) وأنهم من جهة العراق. وأنهم یقتلون أهل الإسلام، ویدعون أهل الأوثان(4).


كما أن من صفاتهم: أنهم یتكلمون بكلمة الحق، لا یجاوز حلوقهم، یحسنون القیل، ویسیئون الفعل، یدعون إلى كتاب الله، ولیسوا منه فی شیء. یتلون كتاب الله وهم أعداؤه(5).


____________



(1) شرح النهج للمعتزلی ج8 ص123.


(2) التنبیه والرد ص182.


(3) المصنف للصنعانی ج10 ص154.


(4) راجع الهوامش السابقة. مثل: مجمع الزوائد ج6 ص230 و238 وكشف الأستار ج2 ص364 و363 وكنز العمال ج11 ص126 و127 و288 و298 ورمز للمصادر التالیة [خ.ق.د.ن. وابن أبی عاصم. وابن جریر.عب] والسیرة الحلبیة ج2 ص140 ط سنة 1220 بمصر. صحیح مسلم، كتاب الزكاة باب47 والبدایة والنهایة ج7 ص300.


(5) راجع: بحار الأنوار ج22 ص329 والبدایة والنهایة ج7 ص328 وسنن أبی داود ج2 ص284 ومستدرك الحاكم ج2 ص147 و148 والسنن الكبرى للبیهقی ج8 ص171.













الصفحة 18


الخوف من إظهار الحق:


قال المعتزلی: «قال إبراهیم بن دیزیل: حدثنا سعید بن كثیر، عن عفیر قال: حدثنا ابن لهیعه.. عن ابن هبیرة:


عن حنش الصنعانی قال: جئت إلى أبی سعید الخدری ـ وقد عمی ـ فقلت: أخبرنی عن هذه «الخوارج».


فقال: تأتوننا فنخبركم، ثم ترفعون ذلك إلى معاویة، فیبعث إلینا بالكلام الشدید.


قال: قلت: أنا حنش.


فقال: مرحباً بك یا حنش المصری، سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقول: یخرج ناس یقرؤون القرآن لا یجاوز تراقیهم یمرقون من الدین كما یمرق السهم من الرمیة، ینظر أحدكم فی نصله لا یرى شیئاً، فینظر فی قذذه فلا یرى شیئاً. سبق الفرث والدم. یصلى بقتالهم أولى الطائفتین بالله.


فقال حنش: فإن علیاً صَلِیَ بقتالهم؟


فقال أبو سعید: وما یمنع علیاً أن یكون أولى الطائفتین بالله؟!»(1).


ونلاحظ هنا:


1 ـ خوف أبی سعید:


إننا نجد أبا سعید یخاف من إظهار حدیث رسول الله (صلى الله علیه وآله) لأن


____________



(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص261.













الصفحة 19


ذلك یعرضه للكلام الشدید، فإذا كان هذا الحدیث له مساس بأمیر المؤمنین (علیه السلام) فإن أمره یصبح أشد وتبعاته تصیر أعظم، حتى ولو كان هذا الحدیث یشیر إلى «الخوارج» أعداء معاویة والحكم الأموی.


وهذا یعطینا فكرة عن المعاناة التی یواجهها الحدیث عن فضائله (علیه السلام) وكراماته، وما یبین موبقات ومخازی أعدائه ومناوئیه، فالذی وصل إلینا من ذلك لابد أن یعد من كراماته (علیه السلام) ومن موارد لطف الله وعنایته البالغة.


2 ـ حنش.. وعلی أیضاً:


وحتى حنش المصری، فإنه لا یكاد یرضى بأن یكون علی (علیه السلام) هو الذی صلی بقتالهم حذراً من أن یكون (علیه السلام) أولى الطائفتین بالله الأمر الذی أثار أبا سعید وجعله یعبر عن استغرابه بقوله: وما یمنع علیاً أن یكون أولى الطائفتین بالله.


3 ـ معاویة یلاحق من یحدِّث:


وثمة دلالة أخرى نستفیدها هنا، وهی أن معاویة كان یبث جواسیسه لمعرفة الأحادیث التی یبثها الصحابة فی الناس، ثم هو یواجه من تصدر عنهم تلك الأحادیث بالشدة والتخویف. وإن الجواسیس كانوا لا یكتفون بما یسمعونه، بل هم كانوا یسألون عن تلك الأحادیث ویطلبون سماعها..


وبعد ما تقدم نقول:


كان ما تقدم هو ما أحببنا أن نقدم الحدیث عنه هنا، وقد أصبح من الطبیعی أن نبدأ فی عرض أقسام الكتاب وفصوله الرئیسیة، بادئین حدیثنا












الصفحة 20


بعرض موجز للمناخات والأجواء التی كانت تفرض نفسها على العراق فی فترة ظهور «الخوارج»..


فإلى ما یلی من أقسام وفصول.












الصفحة 21